إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
محاضرات في شرح نواقض الإسلام وكتاب الجنائز من صحيح البخاري
26583 مشاهدة
ما يستحب أن يغسل وترا

بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى: باب: ما يستحب أن يغسل وترا.
حدثنا محمد حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن محمد عن أم عطية رضي الله عنها قالت: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونحن نغسل ابنته فقال: اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافورا، فإذا فرغتن فآذنني. فلما فرغنا آذناه، فألقى إلينا حقوه فقال: أشعرنها إياه .
فقال أيوب وحدثتني حفصة بمثل حديث محمد وكان في حديث حفصة اغسلنها وترا وكان فيه: ثلاثا أو خمسا أو سبعا وكان فيه أنه قال: ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها وكان فيه: أن أم عطية قالت: ومشطناها ثلاثة قرون .


تقدم هذا الحديث، وأعاده هنا لما فيه من الزيادات، ابنته هذه هي زينب امرأة أبي العاص ماتت في حياته صلى الله عليه وسلم، فلما ماتت غسلها النساء، منهن أم عطية ومنهن أيضا -فيما يظهر- حفصة أم المؤمنين ، ذكرت أنه صلى الله عليه وسلم: أمرهم بغسلها ثلاثا، أو خمسا، أو أكثر من ذلك، إن رأيتن ذلك. وفي رواية: أو سبعا، لم يقل: اثنتين، ولم يقل: الأربع ولا الست. وإنما ذكر الفرد الوتر، الثلاث وتر، والخمس وتر، والسبع وتر، فكأنه يستحب أن تغسل وترا، أن يغسلوها وترا.
كذلك قوله: اغسلنها أو ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها. عرف بذلك أن المغسلين يبدءون بمواضع الوضوء ، تُوضأ وضوءا كاملا، يوضأ الميت وذلك بغسل وجهه، ثم ذراعيه مع كفيه، ثم مسح رأسه، ثم غسل رجليه، لأن هذه هي الطهارة الصغرى، والمستحب أن تقدم دائما عن الطهارة الكبرى، إذا أراد الإنسان أن يغتسل وعليه حدث أكبر بدأ برفع الصغرى التي هي مواضع الوضوء.
وكذلك أيضا بعد ذلك يبدأ بالأيمن، لقوله: ابدأن بميامنها أي: يغسل الجانب الأيمن قبل الأيسر من الميت، يبدأ بشقه الأيمن كخده ورأسه الأيمن، ومنكبه وعضده الأيمن، ثم جنبه الأيمن، ثم رجله أي فخذه وساقه، إلى أن يكملوا شقه الأيمن، ثم ينتقلون إلى شقه الأيسر.
وقال بعضهم: إنه كلما غسل جزءا غسل ما يقابله، فإذا غسل شق رأسه الأيمن انتقل إلى شق رأسه الأيسر، وإذا غسل الأيمن من رقبته انتقل فغسل الأيسر، وإذا غسل منكبه الأيمن ويده اليمنى بما في ذلك العضد والساعد والكف انتقل فغسل الأيسر أي: المنكب إلى آخره، ثم يغسل على الصدر الأيمن، ثم الصدر الأيسر، ثم الورك من اليمين ثم من اليسار، ثم الرجل الفخذ والألية اليمنى ثم اليسرى. وهكذا إلى آخره حتى يكون متشبها بالوضوء، فإن المتوضئ يبدأ بيده اليمنى ثم اليسرى، ويغسل رجله اليمنى ثم اليسرى.
يجوز الأمران: يعني يجوز أن يغسل الجنب الأيمن كله، الشق الأيمن كله، ثم ينتقل إلى الشق الأيسر، ويجوز أن يغسل كل جانب من جوانب، أن يغسل كل جزء؛ الأيمن ثم ينتقل إلى الأيسر.
تقول أم عطية فضفرنا رأسها ثلاثة قرون، وألقيناه خلفها يعني: شعر رأسها جعلناه ثلاثة قرون، الأول جنبها الأيمن يعني شعر الجانب الأيمن، وكذلك شعر الأيسر، وشعر المؤخر أصبح ثلاثة قرون، وألقوه خلفها عند التكفين، دليل على أن النساء كن يعتنين بشعر الرأس ويربينه ، فإذا كان كذلك، فإن عند التغسيل يفتل الرأس يعني يضفر ثلاث ضفائر، اتباعا لما ورد في هذا الحديث.
في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاهم حقوه وقال: أشعرنها إياه يعني: الإزار الذي كان يلبسه سواء كان أبيض أو أسود، والظاهر أنه كان أبيض لأن المندوب أن الأموات يكفنون في البياض ، ورد حديث البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم فالإشعار معناه جعله مما يلي الجسد، يعني أن يجعلوا هذا الإزار يلي جسدها، إما على هيئة إزار، وإما على هيئة كفن.
ذلك لأن الميت إذا كان رجلا، فإنه يكفن في ثلاثة أثواب ، وتكون الأثواب بعضها فوق بعض، فتوضع على الأرض ثم يؤخذ طرف الأعلى فيرد على جنبه الأيمن، ثم طرف الثاني، ثم يؤخذ الثاني كذلك، فيرد بعضه على بعض طرفاه، ثم الثالث كذلك، ثم تكون العقد من فوق ذلك.
أما المرأة فإنه يجعل لها إزار كإزار المحرم على العورة، ويجعل لها خمار على الرأس، ثم يجعل أيضا قميص يعني شبه قميص، أي ثوب قطعة قماش تكون طولها مرتين يشق في وسطها شق يدخل منه الرأس، ثم يرد الطرف الأول فوقها، والطرف الثاني تحتها، يعتبر كأنه قميص نصفه فراش ونصفه لحاف، ثم بعد ذلك .. كما يلف على الرجل إحداهما فوق الأخرى، هذا هو الكفن الذي ورد في حديث أم عطية تقول: أنه ما زال يعطينا ثوبا ثوبا، حتى ذكرت أنه أعطاهم خمسة يعني: إزارا وخمارا وقميصا ولفافتين هذا هو الكفن الكامل .
إذا كان هناك حاجة جاز أن يكفن في واحد، في ثوب واحد، يعني لفافة كاملة، ولو كانت مستعملة، فإن أبا بكر رضي الله عنه أمر أن يكفن في ثوبيه اللذين يلبسهما، ثوبان كان يلبسهما أي: إزار ورداء، فقيل له: ألا نكفنك نشتري لك جديدا، كان رضي الله عنه زاهدا مع أنه تولى أموال المسلمين، ولكن لم يتجرأ أن يؤخذ له كفن من بيت المال، فقال: الحي أولى بالجديد. فهذا هو المجزئ، يجزئ أن يكفن في ثوبين يعني لفافتين، ولو كانتا مستعملتين.